منذ إنشاء منظمة بريكس في عام 2009م، كانت فكرة إنشاء عملة مشتركة لمجموعة «بريكس» (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا) لمنافسة الدولار على جدول أعمال دول الأسواق الناشئة، بالإضافة إلى تعزيز التعاون الاقتصادي وتشجيع التجارة والنمو بين دول الأعضاء. والسبب هو استخدام الإدارة الأمريكية الدولار الأمريكي في عدة مناسبات كسلاح جيوسياسي وشاركت في نوع من الحرب المالية التي فرضتها من خلال عقوبات على الدول المعادية وحرمانها من الوصول إلى سوق رأس المال بالدولار الأمريكي ومنعها كذلك من نظام الدفع الدولي المتمركز حول الدولار الأمريكي.
وفي حالة واضحة، قامت الإدارة الأمريكية بتجميد احتياطيات العملة الروسية (ما يعادل ما يقرب من ستمائة مليار دولار أمريكي)، ما أطلق أجراس الإنذار في العديد من الدول، والذي دفع بالعديد منها إلى إعادة هيكلة احتياطاتها الأجنبية الدولية، أي الاحتفاظ بعدد أقل من الدولارات الأمريكية والاعتماد في المقابل على عملات وطنية أخرى.
وقد قامت دول المجموعة مثل الهند وروسيا بتقليل اعتماد الدولار في المعاملات التجارية. برزت روسيا كأكبر مورد للنفط للهند خلال عام 2022م، ما أدى إلى تسوية حصة كبيرة من التجارة بالعملات الوطنية أي الروبل الروسي والروبية الهندية، ولكن مع انخفاض الواردات من الهند، انتهي الأمر بروسيا إلى فائض كبير من الروبية الهندية. وتتوقع روسيا زيادة الفائض مع مرور الوقت. أضاف هذا ما يقدر بنحو 150 مليار دولار أمريكي من صافي الأصول الأجنبية المتراكمة في الخارج على مدار عام 2022م. مما يعني تكدس الروبية الهندية في البنوك الروسية والتي لا يمكن استخدامها. وهناك مخاطرة من عدم استدامة هذه العملية بين الدول الأعضاء بسبب مخاطر صرف العملة.
كيف يمكن لمجموعة بريكس التمكن من تقليل الاعتماد عن الدولار الأمريكي، علماً بأن الاعتماد على العملات الوطنية لمجموعة بريكس قد تكون محفوفة بالمخاطر؟
في 7 يوليو 2023، انتشرت أخبار في وسائل الإعلام في السوق المالية تفيد بأن مجموعة بريكس ستنفذ خطتها لإنشاء عملة دولية جديدة للتداول والمعاملات المالية، وأن هذه العملة الجديدة قد تكون مدعومة بالذهب. وقد تقوم مجموعة بريكس في المستقبل إنشاء بنك جديد، بتمويل من ودائع الذهب من البنوك المركزية لبريكس. ستظهر حيازات الذهب المودعة على جانب الأصول في الميزانية العمومية لبنك بريكس، ويمكن تصنيفها «ذهب بريكس»، حيث يمثل ذهب بريكس جرام واحد من الذهب العادي.
سيمكن هذا السيناريو الدول الأعضاء اللجوء إلى نظام عملة جديد «عملة بريكس» مدعومة بالذهب العادي كوحدة حساب دولية في التجارة العالمية والمعاملات المالية. وأن إصدار العملة الذهبية الجديدة لن يجعل الدول الأعضاء مضطرة إلى سك معدن الذهب فعلياً، بل يمكن أن تظل وحدة محاسبية فقط يمكن استردادها عند الطلب. ومع ذلك، يجب أن يكون المصدرون من دول البريكس والدول الأعضاء الأخرى كالإمارات، والسعودية، والارجنتين، واثيوبيا، ومصر على استعداد لبيع سلعهم مقابل ذهب البريكس بدلاً من الدولار الأمريكي، ويجب أن يكون المستوردون من الدول الغربية لديهم القدرة على دفع فواتيرهم بذهب البريكس، إلا أن الأمر مستبعد في البداية. غير أن مزايا هذا النظام الجديد ستصبح واضحة لكل دولة في العالم وليس فقط أعضاء البريكس الحاليين، حيث إن الفائدة السياسية هي أنه لا يمكن لدولة واحدة السيطرة على النظام النقدي العالمي أو التلاعب به لمصلحتها غير المكتسبة. أما الفائدة الاقتصادية هي ضغط السوق على الحكومات الأعضاء لإصلاح اقتصاداتها الداخلية من أجل زيادة الإنتاج.
وفي الختام، فإن استخدام عملة الذهب بريكس كعملة التجارة والمعاملات الدولية قد يكون له عواقب بعيدة المدى: أولاً، ستؤدي المعاملات التجارية والمالية بعملة بريكس إلى زيادة حادة في الطلب على ذهب بريكس مقابل العملات الوطنية. ثانياً، ستمثل هذه الزيادة خفض القوة الشرائية للعملات الرسمية ليس فقط الدولار الأمريكي ولكن أيضا عملات البريكس. فمن المرجح أن ترتفع أسعار السلع والخدمات من حيث العملات الورقية الرسمية، مما يقلل من القوة الشرائية لجميع العملات الورقية الموجودة. ثالثاً، ستقوم دول مجموعة البريكس ببناء احتياطيات الذهب إلى الحد الذي تدير فيه فوائضها التجارية، وأن اعتماد المعدن الأصفر كعملة جديدة للدول الأعضاء يمكن أن يؤدي إلى زيادة انضمام الدول «المنتجة» إلى مجموعة بريكس في المستقبل.
المصدر: أخبار الخليج
علي فقيه، أستاذ مشارك