عقد  الزملاء في معهد الكويت للأبحاث العلمية منذ أيام ندوة تحت عنوان “هل سيكون للطاقة النووية دورٌ في تحقيق هدف صافي الانبعاث الكربوني الصفري في دولة الكويت؟”. والتساؤل الذي تثيره هذا الندوة يحمل في طياته مسيرة ثلاث محاولات تبنتها دولة الكويت منذ سبيعينات وثمانينات القرن الماضي، وصولاً إلى عام 2011م، والتي توقفت بسبب أحداث  مفاعل فكوشيما الياباني. وليس هذا فقط فقد أدت هذه الحادثة إلى انسحاب كلٍ من البحرين وعمان والكويت وقطر من البرنامج الخليجي للطاقة النووية الذي تقرر تشكيله في عام 2006م.   

ولقد كان الباحثون في الندوة في غالبيتهم داعمين لتطوير مشروع للطاقة النووية لأجل مواكبة النمو السكاني والصناعي في دولة الكويت الشقيقة، إلا أن هناك العديد من الإشكاليات التي ينبغي معالجتها قبل الشروع في هذه الخطوة. وقد يكون من أهمها عدم وجود رضا مجتمعي عن الطاقة النووية محلياً، وهو الأمر الذي أشار إليه الباحثين عند إجرائهم لاستبيان أولي حول هذا الموضوع. يضاف إلى ذلك، فإن تبني نموذج جديد لتوليد الطاقة، وبتكلفة كبيرة يصل فيها عمر الاستثمار إلى مئة عام تقريباً يعد تحدياً كبيراً لأي دولة. ففي بريطانيا على سبيل المثال، بلغت تكلفة محطة (Point Hinkley) ما يقارب 31 مليار جنيه استرليني، مما جعل الحكومة البريطانية تضطر إلى تقديم ضمانات للقروض، وإبرام عقد شراء للكهرباء المنتجة من المحطة بأسعار تفضيلية لمدة 35 عام لأجل ضمان نجاح المشروع.  

وعلى الرغم من كل التحديات التي تصاحب تطوير مشاريع الطاقة النووية، فلابد أن ينظر إلى تطويرها بشكل جدي على المستوى الخليجي. فتجربة الأشقاء في دولة الإمارات العربية المتحدة في محطة براكة للطاقة النووية  تعد نموذجاً ينبغي الاقتداء به. وقد يكون من الضروري في المرحلة القادمة تبنى مشاريع داعمة للتكنولوجيا النووية، وذلك للتكامل مع الخطط الطموحة في قطاع الطاقة المتجددة. فالطاقة النووية بإمكانها تعويض النقص الحاصل عن تذبذب بعض مصادر الطاقة المتجددة، وبالتالي تأمين الحصول على مصدر مستدام للطاقة. وهذا يظهر أهمية دور مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة بالمملكة العربية السعودية، حيث أنها تسهم في دعم الجهود الحكومية لإدراج كلٍ من الطاقة الذرية والمتجددة كجزء أساسي من مزيج طاقة المستقبل في المملكة. 

إن الجهود المبذولة من قبل المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية في تطوير التكنولجيا النووية للاستخدام السلمي ينبغي الاستفادة منها خليجاً، حيث أن بقية دول الخليج بحاجة إلى النظر إلى إمكانية تبني هذه التكنولوجيا. خصوصا مع التطور الكبير الذي يشهده قطاع المفاعلات الصغيرة أو ما يسمى Small modular reactors (SMRs)، والتي سيشكل انتشارها نقلة نوعية للطاقة النووية حيث أنها لا تتطلب خبرة كبيرة في البناء والتشغيل. وسيكون انتشارها أسرع وأسهل، ففي الوقت الحالي فإن مثل هذا المفاعل يعمل على متن سفينة، ونقله من مكان إلى آخر ممكن بعد تصنيعه. ولهذا فإن هذه التكنولوجيا قد تكون متناسبة مع احتياجات بعض الدول الخليجية، إذا ما تهيئت الظروف المناسبة، والقاعدة المعرفية اللازمة 

المصدر: جريدة الوطن

الدكتور عبدالله العباسي، مدير برنامج الطاقة والبيئة