كتب أحمد بن فارس عالم اللغة المشهور، وصاحب معجم «مقاييس اللغة» ذات مرة إلى بديع الزمان الهمذاني يشكو إليه فساد الناس وتغير الزمان، فرد عليه بديع الزمان: أتزعم أن الزمان فسد؟ أفلا تقول متى كان صالحاً؟ إن هذا الرأي الذي يتبناه بديع الزمان فيه وجه من الصحة، ووجه آخر من التشاؤم غير المحدود. أما وجه الصحة فإن الناس في كل زمان يشكون زمانهم، والواقع يشهد أن لكل عصر تغيراته الإيجابية والسلبية على حد سواء. وأن النظر فقط إلى جوانب النقص، وتعميمها بهذا الشكل يدعو الناس إلى الإحباط والسلبية. والأصل أننا إذا أردنا أن نكون عمليين ومنصفيين أيضاً، فلا بد أن نستذكر جوانب النماء والازدهار، وأن ندرسها لأجل أن نستثمر فيها بشكل أكبر.

وهذا الطرح السابق يشمل القضايا المتعلقة بالبيئة والمناخ، فإن كان الواقع البيئي يعاني من أزمات حقيقية، إلا أن الخطوات المتبعة من قبل المنظمات الدولية والمجتمع الدولي أصبحت أكثر نضجاً من ذي قبل. ولا يعني هذا أبداً أنها كافية، إلا أن جلد الذات، والنظر بسلبية لكل هذه الجهود الكبيرة يدعو إلى الإحباط والتقاعس. إن تنمية التطبيقات الصديقة للبيئة مسؤولية يتشارك فيها الجميع، والنظر إلى تنمية السلوك الإيجابي، والنظرة المتفائلة أمر ينبغي تبنيه في كل السياسات المستقبلية في هذا المجال.

ومن الجدير بالذكر أن دراسة نشرت في مجلة علم النفس البيئي تحت عنوان «لماذا التوجه إلى التطبيقات الخضراء يشعرنا بالسعادة؟» تشير إلى أن العلاقة التي وجدت في دراسات سابقة حول ارتباط الشعور الإيجابي بالممارسات الصديقة للبيئة لا يرجع إلى الرغبة بالظهور بمظهر مقبول اجتماعياً، بل يتجاوز ذلك إلى أنها مرتبطة بأنه مسار ذو معنى سامٍ، ومغزى أخلاقي. وعلى النقيض فإن المشاعر السلبية تتولد حينما لا يكترث الإنسان بالبيئة، ولا يشعر أن هذا الأمر له معنى كبير في حياته. ولهذا فإن إحساس الناس بالرضا عن أنفسهم يجعلهم أكثر حماساً لأجل أن يخصصوا موارد وجهداً أكبر من أجل التطبيقات الصديقة للبيئة، والتي تسهم في حفظ البشر والطبيعة من حولنا.

إنه من الضروري في المرحلة القادمة أن ننظر إلى المستقبل بشكل أكثر إيجابية، لا أن نلوم زماننا والأزمان السابقة. إن المسؤولية مشتركة لأجل العمل على تقليل تبعات التغير المناخي، والروح الإيجابية هي السبيل الأمثل لتشجيع المجتمعات والحكومات والمؤسسات الدولية من أجل خلق تعاون شمولي يضمن أن يكون هناك تحولات كبرى في سبيل الحفاظ على البيئة، وتقليل آثار التغير المناخي. ولا يمكن أن نحقق هذا إذا لم نكن متفائلين بأننا قادرين على ذلك بكل السبل المتاحة والممكنة، والتي تضمن السعادة والرفاهية للشعوب حول العالم. وكما يقال: «فإن التشاؤم هو المسافة التي يضعها الناس بين أنفسهم وأحلامهم»، و»التفاؤل هو المفتاح الذي يفتح أبواب النجاح والسعادة»، فكونوا متفائلين.

المصدر: جريدة الوطن

الدكتور عبدالله العباسي، مدير برنامج الطاقة والبيئة